لم يصدق وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان سقوط صاروخين على هضبة الجولان المحتلة يوم السبت الفائت، حتى بادر الى اتخاذ موقف يلعب فيه دور البطل والضحية. وقف بعد يومين واثقاً من نفسه ومن معلوماته وصرّح أن حزب الله هو من قصف الجولان من داخل الأراضي السورية بأوامر من الأمين العام السيد حسن نصرالله. لم يكتفِ ليبرمان بسبك اتهامه، بل سارع الى تبرئة سوريا بجزمه أن النظام السوري لم يكن يعرف بهذه العملية.
من جهة أخرى، الجيش الإسرائيلي؛ وبعد سقوط الصاروخين على مرتفعات الجولان، رد بقصف ثلاثة مواقع للجيش السوري في منطقة القنيطرة.
وأيضاً، سارع الجيش الاسرائيلي ليل الإثنين إلى نفي صحة تصريحات ليبرمان بإعلانه أن مصدر الصواريخ مجهولٌ.
ماذا يحصل في اسرائيل؟
أوّلاً: وزير الدفاع الاسرائيلي يريد الحرب على لبنان وتحييد المواجهة العسكرية مع سوريا.
في شهر أيلول الماضي وخلال حضور ليبرمان والرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين تدريبات للجيش الاسرائيلي؛ والتي صُنّفت الأكبر منذ 20 عاما؛ أهدافها مواجهة حزب الله؛ أعلن أنّ الحرب المقبلة ستنتهي لصالح اسرائيل معتمداً على "عظمة الجيش وقوة الردع" كما ذكر. ريفلين بدوره أكد أن الحرب المقبلة رابحة وتختلف عن سابقاتها.
الواقع أن الجيش الإسرائيلي في تدريباته الأخيرة اعتمد على استراتيجية الهجوم الواسعة المبنيّة على معلومات استخبارية تم ّ جمعها من مراقبة اسرائيل لاستراتيجية عمليات ومعارك حزب الله في سوريا.
ولكن، منذ حوالي أسبوعين، خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست الاسرائيلي هاجم ليبرمان الجيش اللبناني معتبرا أن "البنى التحتية العسكرية للجيش اللبناني ولحزب الله هي بنية واحدة والجيش اللبناني بمثابة احدى وحدات حزب الله العسكري".
ولكن، هل فعلاً الجيش الاسرائيلي جمع معلومات كافية حول قدرات وآلية تحركات حزب الله العسكرية؟ هل تدرَّب الجيش الاسرائيلي على كيفية محاربة الجيش اللبناني؟ طبعاً كلا. أتى الجواب من جيش العدو ذاته.
ثانياً: الجيش الاسرائيلي يُبعِد شبح الحرب مع لبنان. ويحصر مواجهته الحالية العسكريّة مع الجيش السوري.
نفيه صحة معلومات وزير الدفاع حول مصدر الصاروخين اللذين سقطا على مرتفعات الجولان تنسف كل المعلومات التي وردتهم والتي تدرَّب الجيش سنداً لها.
هذا الإعلان للجيش الاسرائيلي ينسف مشروع وزير الدفاع بالتحضير النفسي والإعلاني للبدء بالحرب.
هزيمة حرب تموز عام 2006 أكّدت وبحسب تقرير "فينوغراد" أن الجيش الاسرائيلي أخطأ في الحرب وأن فشلا ذريعا في الإدارة والسياسة كبّدهم خسائر.
واضحٌ من التجاذبات الحاصلة على الأرض الاسرائيليّة بين أركان القرار في صفوف العدو؛ ان بين الوهم والوهن وجهات نظر تتعارك؛ بينما تغيب الدراسات المعمّقة.
ثالثاً: إن انفتاح اسرائيل العلني في الآونة الأخيرة على السعودية ودول الخليج؛ يدلّ أن بحثها عن غطاء إقليمي للحرب على لبنان لا يمكن أن يتحقق، الا بعد توسيع دائرة العداوة مع حزب الله من قبل الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي.
ليبرمان وفي مؤتمر هرتسيليا في حزيران من العام الحالي، أعلن ذريعته لحربه على لبنان. اتّهم حزب الله باستغلال الوضع في سوريا ليفتح جبهة ضد اسرائيل من الجنوب السوري. دعا السعودية ودول الخليج الى تسوية سريعة.
ها هو يسارع إلى اتهام حزب الله بقصف الجولان المحتل. لم يوقف الجيش الاسرائيلي مناوراته العسكرية. خروقات فعلية للحدود اللبنانية الجوية والبحرية شبه يومية. منظومة الدفاع الجوي السوري تطلق الصواريخ باتجاه طائرة حربية إسرائيلية استخدمت المجال الجوي اللبناني لتقصف سوريا.
المتحدث باسم جيش العدو يوناتان كونريكوس صرّح في الشهر الفائت أن الجيش الاسرائيلي "لا يتطلع الى تصعيد الوضع بالانتقام حالياً".
رابعاً: رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لا ينفك يخطب في الأمم المتحدة عن خطر ايران في المنطقة، وعن تزايد خطر حزب الله على الشمال الاسرائيلي. وبالمقابل يعلن المتحدث باسم جيش العدو في اليوم نفسه أن "الجيش الاسرائيلي يرصد تطورا هائلا لقدرة حزب الله على اقتناء واستخدام الطائرات دون طيار لجمع معلومات عسكرية عنهم.
الى ذلك نشرت "صحيفة "هارتس" الإسرائيلية لمرة جديدة في ايلول المنصرم مقالا نقلا عن متحدث عسكري حول معلومات عسكريّة، تفيد أن لحزب الله أسلحة استراتيجية حديثة فتاكة خطيرة، وإن تعاونا ايرانيا بين كل من ايران وحزب الله لبناء مصانع أسلحة في لبنان بات قريباً.
يقول متحدث عسكري اليوم لـ"هآرتس" أنه يمكن للجيش الاسرائيلي هزيمة الحزب بمجزرة ضخمة، ولكن الواقع أكثر تعقيداً.
ضياعٌ في اسرائيل، حول مدى قوة وقدرة الجيش على الانزلاق بحرب مع لبنان. يحاول ليبرمان إرسال رسالة الى سوريا يحثّها على عدم الدخول في الحرب الى جانب حزب الله. ها هي اسرائيل تعترف ببقاء الأسد. وها هو الوزير يتكلم عن براءة "النظام" باعتراف واضح به.
أما سوريا فلا شك أنها تبحث مع روسيا كيفية إفهام اسرائيل عبر موسكو الفشل الذي مني به مشروع تقسيم سوريا وكسر ظهر محور المقاومة.
الجيش اللبناني يحاضر قائده العماد جوزف عون في واشنطن حول حيثيات نصر معركة "فجر الجرود" في ظل أجواء متوترة جدا بين الادارة الأميركية وايران.
كلٌ في اسرائيل يغني على ليلاه والجيش الإسرائيلي "فاتح ع حسابه"؛ بين كل مناورة وأخرى... مناورة.